فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الصف: آية 6]

{وَإِذْ قال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (6)}
قيل: إنما قال: يا بني إسرائيل، ولم يقل: يا قوم كما قال موسى، لأنه لا نسب له فيهم فيكونوا قومه. والمعنى: أرسلت إليكم في حال تصديقي ما تقدمني {مِنَ التَّوْراةِ} وفي حال تبشيري {بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي} يعنى: أن ديني التصديق بكتب اللّه وأنبيائه جميعا ممن تقدم وتأخر. وقرئ: {من بعدي}، بسكون الياء وفتحها، والخليل وسيبويه يختاران الفتح.
وعن كعب: أن الحواريين قالوا لعيسى: يا روح اللّه، هل بعدنا من أمّة؟ قال: نعم أمّة أحمد حكماء علماء أبرار أتقياء، كأنهم من الفقه أنبياء، يرضون من اللّه باليسير من الرزق، ويرضى اللّه منهم باليسير من العمل. فإن قلت: بم انتصب {مصدقا} و{مبشرا}؟ أبما في الرسول من معنى الإرسال أم بإليكم؟ قلت: بل بمعنى الإرسال، لأن {إِلَيْكُمْ} صلة للرسول، فلا يجوز أن تعمل شيئا لأن حروف الجرّ لا تعمل بأنفسها، ولكن بما فيها من معنى الفعل، فإذا وقعت صلات لم تتضمن معنى فعل، فمن أين تعمل؟ وقرئ: {هذا ساحر مبين}.

.[سورة الصف: آية 7]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7)}
وأي الناس أشد ظلما ممن يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الإسلام الذي له فيه سعادة الدارين، فيجعل مكان إجابته إليه افتراء الكذب على اللّه بقوله لكلامه الذي هو دعاء عباده إلى الحق: هذا سحر، لأنّ السحر كذب وتمويه. وقرأ طلحة بن مصرف: {وهو يدعى}، بمعنى يدعى. دعاه وادّعاه، نحو: لمسه والتمسه. وعنه: يدّعى، بمعنى يدعو، وهو اللّه عز وجل.

.[سورة الصف: آية 8]

{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (8)}
أصله: يريدون أن يطفؤا كما جاء في سورة براءة، وكأن هذه اللام زيدت مع فعل الإرادة تأكيدا له، لما فيها من معنى الإرادة في قولك: جئتك لإكرامك، كما زيدت اللام في: لا أبا لك، تأكيدا لمعنى الإضافة في: لا أباك، وإطفاء نور اللّه بأفواههم: تهكم بهم في إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في القرآن: هذا سحر، مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} أي متمّ الحق ومبلغه غايته. وقرئ بالإضافة.

.[سورة الصف: آية 9]

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}
{وَدِينِ الْحَقِّ} الملة الحنيفية {لِيُظْهِرَهُ} ليعليه {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} على جميع الأديان المخالفة له، ولعمري لقد فعل، فما بقي دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام.
وعن مجاهد: إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام. وقرئ: {أرسل نبيه}.

.[سورة الصف: الآيات 10- 13]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}
{تُنْجِيكُمْ} قرئ مخففا ومثقلا. {وتُؤْمِنُونَ} استئناف، كأنهم قالوا: كيف: نعمل؟
فقال: تؤمنون، وهو خبر في معنى الأمر، ولهذا أجيب بقوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ} وتدل عليه قراءة ابن مسعود: {آمنوا باللّه ورسوله وجاهدوا}.
فإن قلت: لم جيء به على لفظ الخبر؟ قلت: للإيذان بوجوب الامتثال، وكأنه امتثل فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين. ونظيره قول الداعي: غفر اللّه لك، ويغفر اللّه لك: جعلت المغفرة لقوّة الرجاء، كأنها كانت ووجدت.
فإن قلت: هل لقول الفراء أنه جواب {هَلْ أَدُلُّكُمْ} وجه؟ قلت: وجهه أن متعلق الدلالة هو التجارة، والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد، فكأنه قيل: هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم؟ فإن قلت: فما وجه قراءة زيد بن علي رضي اللّه عنهما {تُؤْمِنُونَ}... {وَتُجاهِدُونَ}؟
قلت: وجهها أن تكون على إضمار لام الأمر، كقوله:
محمّد تفد نفسك كلّ نفس ** إذا ما خفت من أمر تبالا

وعن ابن عباس أنهم قالوا: لو نعلم أحب الأعمال إلى اللّه لعملناه، فنزلت هذه الآية، فمكثوا ما شاء اللّه يقولون: ليتنا نعلم ما هي، فدلهم اللّه عليها بقوله: {تُؤْمِنُونَ} وهذا دليل على أن {تُؤْمِنُونَ} كلام مستأنف، وعلى أنّ الأمر الوارد على النفوس بعد تشوّف وتطلع منها إليه:
أوقع فيها وأقرب من قبولها له مما فوجئت به {ذلِكُمْ} يعنى ما ذكر من الإيمان والجهاد {خَيْرٌ لَكُمْ} من أموالكم وأنفسكم. فإن قلت: ما معنى قوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؟ قلت: معناه إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيرا لكم حينئذ، لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أنفسكم وأموالكم، فتخلصون وتفلحون {وَأُخْرى تُحِبُّونَها} ولكم إلى هذه النعمة المذكورة من المغفرة والثواب في الآجلة نعمة أخرى عاجلة محبوبة إليكم، ثم فسرها بقوله: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} أي عاجل وهو فتح مكة. وقال الحسن: فتح فارس والروم. وفي {تُحِبُّونَها} شيء من التوبيخ على محبة العاجل. فإن قلت: علام عطف قوله: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}؟ قلت: على {تُؤْمِنُونَ} لأنه في معنى الأمر، كأنه قيل: آمنوا وجاهدوا يثبكم اللّه وينصركم، وبشر يا رسول اللّه المؤمنين بذلك. فإن قلت: لم نصب من قرأ {نصرا من اللّه وفتحا قريبا}؟ قلت: يجوز أن ينصب على الاختصاص. أو على تنصرون نصرا، ويفتح لكم فتحا. أو على: يغفر لكم ويدخلكم جنات، ويؤتكم أخرى نصرا من اللّه وفتحا.

.[سورة الصف: آية 14]

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قال عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قال الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (14)}
قرئ: {كونوا أنصار اللّه} و{أنصارا للّه} وقرأ ابن مسعود: {كونوا أنتم أنصار اللّه}. وفيه زيادة حتم للنصرة عليهم. فإن قلت: ما وجه صحة التشبيه- وظاهره تشبيه كونهم أنصارا بقول عيسى صلوات اللّه عليه: {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ}؟ قلت: التشبيه محمول على المعنى، وعليه يصح. والمراد: كونوا أنصار اللّه كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ}. فإن قلت: ما معنى قوله: {مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ}؟ قلت: يجب أن يكون معناه مطابقا لجواب الحواريين {نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ} والذي يطابقه أن يكون المعنى: من جندي متوجها إلى نصرة اللّه، وإضافة {أَنْصارِي} خلاف إضافة {أَنْصارَ اللَّهِ} فإنّ معنى {نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ}: نحن الذين ينصرون اللّه. ومعنى {مَنْ أَنْصارِي} من الأنصار الذين يختصون بي ويكونون معي في نصرة اللّه، ولا يصح أن يكون معناه: من ينصرني مع اللّه، لأنه لا يطابق الجواب. والدليل عليه: قراءة من قرأ: {من أنصار اللّه}. والحواريون أصفياؤه وهم أوّل من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا، وحواري الرجل: صفيه وخلصانه من الحور وهو البياض الخالص.
والحواري: الدرمك. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام «الزبير ابن عمّى وحواريي من أمتي» وقيل: كانوا قصارين يحوّرون الثياب يبيضونها. ونظير الحواري في زنته: الحوالى: الكثير الحيل {فَآمَنَتْ طائِفَةٌ} منهم بعيسى {وَكَفَرَتْ} به {طائِفَةٌ} {فَأَيَّدْنَا} مؤمنيهم على كفارهم، فظهروا عليهم. وعن زيد بن على: كان ظهورهم بالحجة.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الصف كان عيسى مصليا عليه مستغفرا له ما دام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {يأيها الذين ءامنوا لم تقولون ما لا تفعلون} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في قوم قالوا: لو عملنا أحب الأعمال إلى الله لسارعنا إليه، فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا عنه، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني: أنها نزلت في قوم كان يقول الرجال منهم: قاتلت ولم يقاتل، وطعنت، ولم يطعن، وضربت، ولم يضرب وصبرت، ولم يصبر، وهذا مروي عن عكرمة.
الثالث: أنها نزلت في المنافقين كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه إن خرجتم وقاتلتم خرجنا معكم وقاتلنا فلما خرجوا نكصوا عنهم وتخلفوا.
وهذه الآية وإن كان ظاهرها الإنكار لمن قال ما لا يفعل فالمراد بها الإنكار لمن لم يفعل ما قال، لأن المقصود بها القيام بحقوق الالتيام دون إسقاطه.
{إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا} مصطفين صفوفًا كالصلاة، لأنهم إذا اصطفوا مثلًا صفين كان أثبت لهم وأمنع من عدوهم.
قال سعيد بن جبير: هذا تعليم من الله للمؤمنين.
{كأنهم بنيان مرصوص} فيه وجهان:
أحدهما: أن المرصوص الملتصق بعضه إلى بعض لا ترى فيه كوة ولا ثقبًا لأن ذلك أحكم في البناء من تفرقه وكذلك الصفوف، قاله ابن جبير، قال الشاعر:
وأشجر مرصوص بطين وجندل ** له شرفات فوقهن نصائب

والثاني: أن المرصوص المبني بالرصاص، قاله الفراء، ومنه قول الراجز:
ما لقي البيض من الحرقوص ** يفتح باب المغلق المرصوص

{فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} وفي الزيغ وجهان:
أحدهما: أنه العدول، قاله السدي.
الثاني: أنه الميل، إلا أنه لا يستعمل إلا في الزيغ عن الحق دون الباطل.
ويحتمل تأويله وجهين:
أحدهما: فلما زاغوا عن الطاعة أزاغ الله قلوبهم عن الهداية.
الثاني: فلما زاغوا عن الإيمان أزاغ قلوبهم عن الكلام.
وفي المعِنيّ بهذا الكلام ثلاثة أقاويل:
أحدها: المنافقون.
الثاني: الخوارج، قاله مصعب بن سعيد عن أبيه.
الثالث: أنه عام.
{ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} وهذه البشرى من عيسى تتضمن أمرين:
أحدهما: تبليغ ذلك إلى قومه ليؤمنوا به عند مجيئه، وذلك لا يكون منه بعد إعلام الله له بذلك إلا عن أمر بتبليغ ذلك إلى أمته.
الثاني: ليكون ذلك من معجزات عيسى عند ظهور محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا يجوز أن يقتصر عيسى فيه على إعلام الله له بذلك دون أمره بالبلاغ.
وفي تسمية الله له بأحمد وجهان:
أحدهما: لأنه من أسمائه فكان يسمى أحمد ومحمدًا قال حسان:
صلى الإله ومن يحف بعرشه ** والطيبون على المبارك أحمد

الثاني: أنه مشتق من اسمه محمود، فصار الاشتقاق اسمًا، كما قال حسان:
وشق له من اسمه ليجله ** فذو العرش محمود وهذا محمد

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«اسمي في التوراة أحيد لأني أحيد أمتي عن النار، واسمي في الزبور الماحي محا الله بي عبادة الأصنام، واسمي في الإنجيل أحمد، واسمي في القرآن محمد لأني محمود في أهل السماء والأرض.»
{ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام} فيهم قولان:
أحدهما: أنهم الكفار والمنافقون، قاله ابن جريج.
الثاني: أنه النضر وهو من بني عبد الدار قال إذا كان يوم القيامة شفعت لي العزى واللات، فأنزل الله هذه الآية، قاله عكرمة.
{يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم} الآية. والإطفاء هو الإخماد، ويستعملان في النار، ويستعاران فيما يجري مجراها من الضياء والنور.
والفرق بين الإطفاء والإخماد من وجه وهو أن الإطفاء يستعمل في القليل والكثير، والإخماد يستعمل في الكثير دون القليل، فيقال أطفأت السراج ولا يقال أخمدت السراج.
وفي {نور الله} ها هنا خمسة أقاويل:
أحدها: القرآن، يريدون إبطاله بالقول، قاله ابن زيد.
الثاني: أنه الإسلام، يريدون دفعه بالكلام، قاله السدي.
الثالث: أنه محمد صلى الله عليه وسلم يريدون هلاكه بالأراجيف، قاله الضحاك.
الرابع: أنه حجج الله ودلائله، يريدون إبطالها بإنكارهم وتكذبيهم، قاله ابن بحر.
الخامس: أنه مثل مضروب، أي من أرد إطفاء نور الشمس بفيه فوجده مستحيلًا ممتنعًا فكذلك من أراد إبطال الحق، حكاه ابن عيسى.
وسبب نزول هذه الآية ما حكاه عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطأ عليه الوحي أربعين يومًا، فقال كعب بن الأشرف:
يا معشر اليهود ابشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه، وما كان الله ليتم أمره، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، فأنزل الله هذه الآية، ثم اتصل الوحي بعدها.
{ليظهره على الدين كله} الآية. وفي الإظهار ثلاثة أقاويل:
أحدها: الغلبة على أهل الأديان.
الثاني: العلو على الأديان.
الثالث: العلم بالأديان من قولهم قد ظهرت على سره أي علمت به.
{وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب} وهذا من الله لزيادة الترغيب، لأنه لما وعدهم بالجنة على طاعته وطاعة رسوله علم أن منهم من يريد عاجل النصر لقاء رغبة في الدنيا ولقاء تأييد الدين فوعدهم بما يقوي به الرغبة فقال: {وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب} يعني فتح البلاد عليه وعليهم، وقد أنجز الله وعده في كلا الأمرين من النصر والفتح.
وفي قوله: {قريب} وجهان:
أحدهما: أنه راجع إلى ما يحبونه أنه نصر من الله وفتح قريب.
الثاني: أنه إخبار من الله بأن ما يحبونه من ذلك سيكون قريبًا، فكان كما أخبر لأنه عجل لهم الفتح والنصر. اهـ.